بنغلاديش عقب "حقبة سوداء".. مطالب حقوقية ومخاوف من انتكاسات مستقبلية

بعد احتجاجات أطاحت برئيسة الحكومة

بنغلاديش عقب "حقبة سوداء".. مطالب حقوقية ومخاوف من انتكاسات مستقبلية

 

 

بنغلاديش تطوي صفحة الشيخة حسينة واجد وسط تصاعد مطالب حقوقية بالإنصاف والتعافي

مع صخب المطالب الشعبية البنغالية تصدح معاناة اللاجئين الروهينغا وحقوق الأقليات

مخاوف من انتكاسة حقوقية بالدخول في دائرة الانتقامات وتصفية الحسابات بين الموالين والمعارضين

أستاذ قانون دولي: الشعب يتطلع لإرساء سيادة القانون والعدالة والمساواة في بنغلاديش الجديدة

 

تطوي بنغلاديش صفحة عثرة، عقب مغادرة رئيسة الحكومة الشيخة حسينة واجد للبلاد، على وقع احتجاجات شعبية حاشدة ضد التمييز، وسط تصاعد مطالب حقوقية بالإنصاف والتعافي بعد سنوات سوداء.

وتولت حسينة واجد (76 عاما) رئاسة الحكومة البنغالية بين عامي 1996 و2001، ثم عادت في ولاية جديدة بين عامي 2009 و2024، إذ شهدت البلاد في ظل حكومتها تراجعات شديدة في ملف حقوق الإنسان، فيما تزايدت أحكام الإعدام على الهوية والخصومة السياسية مع المعارضين والتنكيل بالنازحين.

ويشهد البلد الآسيوي الذي يصل تعداد سكانه إلى 170 مليون نسمة، مخاوف من انتكاسة حقوقية تتمثل في الدخول في دائرة الانتقامات وتصفية الحسابات بين الموالين والمعارضين، وإجهاض الاحتجاجات الشعبية لصالح دائرة السلطة الحالية. 

ورغم تفاؤل الخبراء والمراقبين بشأن الاحتجاجات البنغالية والتي يصفها البعض بـ"الاستقلال الثاني" بعد استقلالها عن باكستان عام 1971، فإن المخاوف من حدوث ردة على الحقوق والحريات لا يزال قائما.

ومنذ يوليو الماضي، اندلعت شرارة الاحتجاجات في بنغلاديش من الجامعات، رافضة تخصيص حصص في الوظائف الحكومية لمجموعة موالية للسلطة، في ظل بطالة تلتهم أكثر من 18 مليون مواطن في البلاد.

وتوسعت الاحتجاجات وضمت أطيافا أخرى من الغاضبين جراء القوة المفرطة التي استخدمتها قوات الشرطة، والتي أدت إلى سقوط ضحايا ومصابين، إلى جانب حملات توقيف عشوائية طالت آلاف آخرين.

وأغلق المحتجون السكك الحديدية والطرق، وأضرموا النيران في مقار حكومية، رفضا لقتل المتظاهرين، فيما واجهت الحكومة ذلك بتعطيل الإنترنت، وزيادة حملات القمع، وفرض حظر التجوال، وتجميد حزب الجماعة الإسلامية وغيرها من الإجراءات القمعية.

مكاسب ثورية 

ومع اتساع الغضب البنغالي وسقوط نحو أكثر من 400 قتيل وفق تقديرات غير رسمية، أعلن الجيش في بنغلاديش في 5 أغسطس الجاري، استقالة الشيخة حسينة، وسط اتهامات واسعة لها بالتزوير وقمع المعارضة وارتكاب انتهاكات طالت نازحين من أقلية الروهينغا الفارين من "مجازر على الهوية" في ميانمار. 

واستجابة للمطالب الشعبية الحاشدة، أدى الاقتصادي الحائز جائزة نوبل والعائد من المنفى، محمد يونس (84 عاماً)، اليمين الدستورية لقيادة حكومة انتقالية مؤقتة في بنغلاديش، أملا في الوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة خلال الأشهر المقبلة.

ومحمد يونس، هو أحد ضحايا الشيخة حسنية بتدبير حكم ضده بالسجن 6 شهور في بداية 2024، إثر إدانته بعدم إنشاء صندوق رعاية اجتماعية للموظفين بشركة تابعة له، ما دفعه إلى السفر خارج البلاد في منفى اضطراري.

وعاد يونس رئيسا مؤقتا للحكومة البنغالية عقب إلغاء الحكم ضده، وهو اقتصادي بارز ساهم في تأسيس بنك "غرامين" (بنك الفقراء) في عام 1983، وحصل يونس والبنك على جائزة نوبل للسلام في عام 2006.

وعلى صعيد مكاسب الاحتجاجات، أمر رئيس بنغلاديش محمد شهاب الدين، عقب رحيل الشيخة حسينة، بالإفراج عن رئيسة الوزراء السابقة وزعيمة المعارضة ورئيسة الحزب الوطني خالدة ضياء، وكذلك الأشخاص الذين اعتُقلوا خلال التظاهرات الشعبية، فضلا عن حل البرلمان الذي يسيطر عليه حزب رابطة عوامي الحاكم.

وأعلن قائد الجيش البنغالي الجنرال وقر الزمان، إجراء تحقيق في مقتل متظاهرين في أعمال العنف في البلاد، بخلاف استقالات طالت قائدة الشرطة ومحافظ البنك المركزي، وكان أبرزها استقالة عبيد الحسن رئيس المحكمة العليا الذي كان رئيس محكمة أمرت بإعدام معارضي حسينة في وقت سابق.

الشيخة حسينة واجد

تطلعات وطموحات 

ويأتي إجراء انتخابات في صدارة المطالب التي تتصاعد في بنغلاديش، إذ حث على إتمام ذلك في أقرب وقت رئيس حزب بنغلاديش الوطني بالإنابة طارق الرحمن، في كلمة وجَّهها عبر الفيديو من منفاه بلندن إلى حشد كبير في العاصمة دكا، وكذلك أمير الجماعة الإسلامية شفيق الرحمن، في مؤتمر صحفي عقد قبل أيام. 

وتتصاعد المطالب الشعبية بإجراء تحقيق محايد تشارك فيه الأمم المتحدة والحكومة المؤقتة، بشأن سقوط ضحايا خلال الاحتجاجات الأخيرة، إلى جانب سرعة إطلاق سراح المحتجزين، فضلا عن إجراء إنعاش اقتصادي فوري في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والحرمان وغياب العدالة الاجتماعية.

واعترف بذلك مستشار الحكومة المؤقتة للشؤون المالية والتخطيط الدكتور صالح الدين أحمد، قائلاً: "لقد تباطأ اقتصاد البلاد لأسباب مختلفة. وهدفنا هو إنعاش الاقتصاد في أسرع وقت ممكن في ظل مشاكل منها ما هو متعلق بالتضخم والقطاع المصرفي"، متعهدا بإرجاع أي حقوق مالية للبلاد مرتبطة بغسيل الأموال، بناء على إجراءات ومعلومات وأدلة دقيقة. 

وفي ظل صخب الحقوق البنغالية تصدح معاناة اللاجئين الروهينغا، الذين لا يزال ما يقرب من مليون شخص منهم عالقين في مخيمات اللجوء في منطقة كوكس بازار في بنغلاديش وأكثر من نصفهم من النساء والفتيات، بعد فرارهم منذ 2017 من حملات للجيش استهدفتهم على هويتهم الدينية، بحسب التقديرات الأممية.

وكانت حكومة الشيخة حسينة تعتزم بالاتفاق مع ميانمار ذات الأغلبية البوذية، إعادة هؤلاء اللاجئين المعروف بأنهم أقلية مسلمة ضمن برنامج مثير للجدل كان محل انتقاد حقوقي أممي، لا سيما أن ذلك يمثل خطرا وتهديدا مباشرا على حياتهم، وفق المراقبين. 

وفي يونيو 2023، قال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في ميانمار، توم أندروز، إن هناك تقارير تفيد بأن السلطات البنغلاديشية تستخدم "تدابير خادعة وقسرية" لإجبار اللاجئين الروهينغا على العودة إلى ميانمار، وأكد أن ذلك سيعرض حياتهم وحريتهم لمخاطر جسيمة، داعيا إلى تعليق المشروع ووقوف المجتمع الدولي إلى جانب لاجئي الروهينغا.

محمد يونس

ماضٍ يحاول العودة

ورغم فرار الشيخة حسينة، قال نجلها المقيم في الولايات المتحدة ساجيب واجد جوي، لصحيفة "تايمز أوف إنديا"، إن والدته ستعود إلى بلادها عندما تقرر الحكومة المؤقتة الجديدة إجراء الانتخابات.

وحتى الآن لم تعلن حسينة عن خوضها الانتخابات، إلا أن أنصار حزب رابطة عوامي الحاكم لا يزال ينظمون التظاهرات للمطالبة بعودة رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة إلى البلاد.

فيما تتنامي مخاوف المساس بأقلية الهندوس المعروفين بدعم حزب الشيخة حسينة، عقب تقارير إعلامية عن مهاجمة عدد من المتاجر والمنازل التي يملكها الهندوس الذين يمثلون قرابة 8 بالمئة من سكان بنغلاديش، ووصول المئات منهم إلى الحدود الهندية سعياً للعبور منذ الإطاحة برئيسة وزراء بنغلاديش السابقة. 

بدوره، نفى الأمين العام للحزب الوطني البنغلاديشي المعارض، ميرزا فخر الإسلام علمجير، صحة التقارير التي تفيد بوجود هجمات طائفية على الأقليات، مؤكدا أن "هذه الأشياء ليست صحيحة على الإطلاق، وندين ما يحدث منها ولسنا متورطين فيها وهناك مشاكل في بعض الأماكن ليست طائفية، بل سياسية"، محذرا من "مؤامرة لتدمير الاستقلال المكتسب حديثا لبنغلاديش". 

وفي 6 أغسطس الجاري، قالت منسقة الأمم المتحدة المقيمة في بنغلاديش، غوين لويس، في مقابلة مع موقع “أخبار الأمم المتحدة” إن الوضع في البلاد "غامض للغاية" لافتة إلى ماضي بنغلاديش الذي كان به قمع وتضييق على حرية التجمع والتعبير وقضايا حقوق الإنسان.

وأعربت لويس عن أملها في أن تتمكن بنغلاديش في طي تلك صفحة مع هذه الحكومة الانتقالية الجديدة والبدء على أسس جديدة مبنية على الثقة والمحاسبة، والمضي قدما حتى يصبح المستقبل أكثر إشراقا، ومعالجة قضايا حقوق الإنسان بشكل أكثر منهجية.

مطالب سياسية وحقوقية

من جانبه، قال أستاذ القانون الدولي بجامعة دكا البنغالية والمتخصص في قوانين حماية اللاجئين، نقيب محمد نصر الله، إن الشعب البنغالي بدأ يحلم باستقلال جديد وطي صفحة الماضي البائس بعد استقالة حكومة حسينة والإطاحة بها وتشكيل حكومة مؤقتة. 

وأضاف نصر الله، في تصريح لـ"جسور بوست": "المواطنون في بنغلاديش سعداء للغاية لأنهم يشعرون بأن بنغلاديش المستقبلية ستكون ديمقراطية حقيقية حيث يتم إرساء سيادة القانون والعدالة والمساواة، وسيتم استعادة حق التصويت للشعب الذي تضرر بشكل كبير خلال نظام الشيخة حسينة السابق".

نقيب محمد نصر الله

وتابع: "سيتحسن وضع دكا تدريجيًا بفضل المساعدة والدعم الشامل والموحد من الشعب، وخاصة قادة الطلاب المناهضين للتمييز والحراك الطلابي، كما سيتم القضاء على محاولات الفوضى بفضل الجهود الجماعية لجميع الأحزاب السياسية باستثناء حزب السلطة السابق الذي يختفى الآن".

ولفت أستاذ القانون الدولي في بنغلاديش إلى أن الجيش البنغالي يلعب دورًا رائعًا في هذه الأوضاع، مشيرا إلى ضرورة إنشاء مجتمع غير تمييزي يرسخ لمبادئ حقوق الإنسان، وإجراء إصلاحات قانونية وسياسية وقضائية.

وأوضح أن الحكومة المؤقتة تعطي الأولوية لحماية غير المسلمين وخاصة الهندوس، كما تقدم الجماعة الإسلامية كل الدعم في هذا الصدد، وقد تم بالفعل السيطرة على حوادث الاعتداء على ممتلكات الهندوس.

ويرى نصر الله أن "الحكومة المؤقتة ستتعامل مع قضية الروهينغا بشكل إيجابي ولن يكون هناك أي تغيير في ما اتخذته الحكومة السابقة لإيوائهم، بل سيتم اتخاذ الخطوات اللازمة والمستدامة من أجل إيجاد حل دائم لمشاكلهم".

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية